Monday, August 26, 2013

الليلة الاخيرة

رن تلفون البيت، سمعت صوت أختي وهي ترد وفهمت أنها مكالمة تخصني. ناولتني السماعة، فإذا بالمتصل صديقي خالد الذي هاجر إلى فرنسا منذ سنين، أكمل دراسته في جامعة باريسية وإشتغل بعد ذلك مهندس كمبيوتر في شركة خاصة.
في كل مرة نتحدث فيها نميل تدريجيا إلى تذكر أيام الدراسة وربما نعيد ذكر نفس القصص، وذلك لما تحمله قلوبنا من حنين إلى تلك الإيام.
تذكرنا صينية الشاي الخضراء أو الحمراء! عليها ما لذ وطاب من زيت زيتون وزيت أركان وسمن وعسل إضافة إلى "أملو" الخليط السحري الذي يصنع من زيت أركان واللوز والعسل.. هذه المكونات التي تصدرت مائدة الإفطار في المطبخ الأمازيغي المغربي منذ قرون.
كنت ازور صديقي خالد للمراجعة والتحضير لامتحاناتنا، غير أن تناول هذه الوجبة كان من الضروريات ! كيف لا والعقل يسلم إن سلم الجسم .. وامتلأت البطن !
واظبنا على هذه العادة طوال السنة، إلى أن حلت ليلة العاشر من يونيو في صيف 2005 .. كانت أطباق الصينية، وهي في حالة يرثى لها، تستغيث طالبه النجدة وتستجدي بمن  يعتقها.. إستلقينا الى الخلف وتبادلنا أطراف الحديث عما سيأتي به الغد من إختبار يرسم لنا خارطة طريق لحياتنا المستقبلية. صعدنا إلى غرفة المراجعة في الطابق الأول، حيث تراصت 3 كنبات مغربية حول طاولة، لست أعرف شكل مفرشها إلى الان ! فمنذ إليوم الأول تكدست عليها أكوام من الكتب والدفاتر حتى تشكلت كتلة صلبة يكاد يستحيل ازالتها ! فإن احتجنا إلى درس أو تمرين معين وجبت علينا أشغال شاقة من حفر وتنقيب.
التحق بنا بعد ذلك بعض الأصدقاء وبعد ساعات جاءتنا فكرة لست أذكر من اقترحها.. وهي  أن نلقي نظرة على ساحة المعركة قبل موقعة الغد! وبالفعل توجهنا الى المدرسة، قفزنا من فوق سورها الخلفي وقمنا باقتحامها ! ساعتها أحسسنا برهبة، لقد تغيرت ملامح المكان بشكل ملحوظ.. ساد صمت رهيب بالساحة! صمت جعل من صوت حفيف الاشجار رعدا عاصفا! ومن الابواب الزرقاء الموصدة وحوشاً نائمة ! القينا نظرة من النوافذ فإذا بالمقاعد، و كأنها جيوشا خامدة، نظمت صفوفها وتميزت بأرقامها أمام قائدها مكتب الاستاذ!
 هرولنا مسرعين عائدين إلى وكرنا لنكمل وضع لمساتنا الاخيرة في بناء ترسانة علوم الفيزياء التي سنحارب بها صباح يوم غد في أول مواجهة مع غزو الإمتحانات!
أذكر .. ونحن في طريق العودة إلى بيوتنا، وقد تجاوزت الساعة الواحدة صباحا و فرغت المدينة من كل نشاط سكاني، قمنا بتمارين الدفع فوق اسفلت الشارع.. وركضنا.. وكأننا نستعرض قدراتنا أمام عدو!
... تمددت فوق سريري وأغمضت عيني وكلي أمل غد أفضل ومستقبل مشرق.. ولم أكن أعلم أن تلك الليلة كانت تسبق حدثا سيشكل فيما بعد منعطفا هاما في حياتنا، وممرا ضيقا إلى دنيا الهموم حيث يسجن ذلك الطفل الصغير داخلنا..
انها الليلة الأخيرة التي أرى فيها صينية الشاي.. هل كانت خضراء أم حمراء ؟    
   
             

No comments:

Post a Comment