Saturday, August 31, 2013

الرسالة



مر أسبوع على وفاة جده، الذي لم يره يوما.. فمنذ نعومة أظافر كمال، اعتاد أن يسمع من أبويه حكايات عن أمراض الجد وهذيانه وكيف أنه كان يمضي ساعات بل أياماً وهو يكتب أرقاماً وأشكالاً غريبة تبدو كطلاسم مريبة.. حتى أن أمه أصبحت قلقة منه فطلبت إرساله إلى مصحة نفسية، ثم رفضت استقباله في البيت بعدما أقر الأطباء بعدم وجود أية اعراض تستوجب ابقائه.. حينئذ قر أبوه أن يبعثه إلى دار المسنين حيث قضى سنته الأخيرة بعد العشرين. 
لم يفكر كمال يوما في زيارة جده عبد السلام وهو على حالته المستعصية مكتفيا بذكرى ماضيه اللامع التي نسجت خيوطها من صور قديمة وقصاصات مهترئة من مجلات علمية تتحدث عن الأستاذ عبد السلام الذي إستطاع أن يحل معضلة رياضية استعصت على الباحثين انذاك، فرصدوا جازة مالية تقدر بمائة ألف دولار أمريكي!
كم تمنى كمال أن يجلس مع جده ليحكي له كيف سطر خطوطاً ذهبية تشرح فكرة قيمة تكونت في عقله الأغلى والأثمن ! لكن هيهات ! كيف لرجل أصابه الجنون أن يتحدث بمنطق العقل السليم.
كان هذا كل ما اختار أن يعرفه عن الاستاذ وكان على اقتناع بأنه قد ورث عن جده حبه للرياضيات كما ورث طول قامته وحدة نظراته التي تنم عن ذكاء باهر.
لم يذهب كمال إلى الجامعة صباح هذا اليوم فقد إتصل به أحد اصدقائه ليعلمه أن المحاضرة قد الغيت. استغل كمال هذا الظرف الطارئ ليكمل بحثا حول الأعداد العقدية.. وبينما هو منشغل.. سمع صوت أمه تناديه من المطبخ  
- كمال ! كمال ! إفتح.. احدهم يطرق الباب..
وقفت سيده في عقدها الثالث،ارتسمت على وجهها ملامح مونالزية الطبع، تحمل محفظة في يد وملفا في اليد الاخرى..
- منزل السيد حسين إبن الاستاذ عبد السلام الله يرحمه ؟ 
- نعم .. أي خدمة ؟
- أكيد أنت حفيد المرحوم..
- نعم أنا حفيده .. أي خدمة ؟؟ 
- أنا السكرتيرة العامة بجمعية الامل المسؤولة على دار السلام بشقيها دار الأيتام ودار المسنين..
- أهل وسهلا ..
- دار السلام نسبة إلى جدك الاستاذ عبد السلام!
- إسم الدار على إسم جدي ؟؟! 
- نعم تكريماً لهذا الرجل 
- إذن أنتم على علم بتاريخه المجيد..
- وحاضره أيضا! أجبت مبتسمة.
- حاضره ؟!!
- نعم ! أنا الدكتورة صفاء استاذة باحثة بكلية العلوم قسم رياضيات.. وتلميذة الاستاذ عبد السلام! ثم أكملت الحديث وقد لاحظت دهشت كمال..
- التحقت بدار الأيتام بعدما توفي والدي.. وهناك تعرفت على جدك الذي جعلني أعشق لغة الأرقام فقد كانت يستهويني ما ينطق به في بخل شديد من فوازير شيقة.. لقد كانت له مكانة خاصة في قلبي جعلتني بعدما توليت منصب السكرتيرة اقترح تغير إسم الدار إلى السلام .. 
- غريب! 
- مالغريب في كلامي ؟؟ 
- لاشيء ... هل يمكنك أن تصفي لي جدي ؟!                
- كان هزيل الجسم، نادر الكلام، تراه دائما شاردا وكانما يفكر.. يرفع رأسه الوراء يغمض عينيه ثم يرفع يده إلى السماء ويحرك سببته وكانه يكتب شيئا! بعدما اطلعت على ملفه وجدت توصية تشير إلى عدم اعطائه ورقة أو قلم لكونه مصاباً بوسواس الارقام والرموز الغريبة. 
- صحيح .. صحيح .. دكتورة إن كنت تريدين مقابلة والدي فهو غير موجود.
- إذن فلتبلغه أن يمر إلى مكتب إلى الجمعية نحتاجه في بعد المسائل القانونية..
- حاضر 
- غير أنني كنت أريد مقابلتك أنت أيضا ! 
- أنا ؟ لماذا ؟! 
- عندي لك رسالة من جدك .. رسالة خطية !
- رسالة خطية ؟ لي أنا ؟! ألم تمنعه من الكتابة ؟!
- نعم لكني استسلمت لرغبته وهو على فراش مرضه، فقد عرفت أنها الأخيرة لا محالة!.. هاهي الرسالة .. ولا تنسى أن تخبر والدك بضرورة حضوره إلى المكتب.
شكر كمال السيدة صفاء مؤكدا مجيء والده في اليوم الموالي، وتناول الرسالة متسائلا .. ترى مالذي كتبه جدي قبل وفاته أهي طلاسم أخرى انتجها هذيان مرضه ؟ ولماذا يرسلها لي أنا ؟ 
أيا كان المضمون، ما خطه الأستاذ عبد السلام بيده كان أول وأخر تواصل بينه وبين حفيده..

يتبع..    
   
     
     














                 

No comments:

Post a Comment